بدا القائد والمناضل الفلسطيني مروان البرغوثي ابن الـ66 عاماً في فيديو نشره الصهيوني المتطرف وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، في صورة أثارت جدلاً واسعاً، ولكن الأهم أن الفخ الذي نصبه "وزير الإرهاب الصهيوني"، فشل فشلا ذريعاً، حيث أراد المدعو ابن غفير إذلال البرغوثي، إلا أنه بدا متماسكاً وصلباً في نظراته، وكأنه يلطم ابن غفير على وجهه.
وبعكس ما أراد هذا الصهيوني، فقد جاءت المواقف عنفية، صحيح أن الفيديو القصير لم يكشف كلمات وردود البرغوثي على بن غفير، إلا نظراته ووقفته، كانت تقول أنا ابن هذه الأرض، ابن أصحاب الحق، وأنتم القتلة والمحتلين، وسفاكي الدماء على مدى تاريخكم الأسود.
ولم يهتز البرغوثي لكلمات الوزير الصهيوني، والتي قال فيها ""من يعبث بإسرائيل، من يقتل أطفالنا، من يقتل نساءنا، سنمحوه، عليك أن تعرف ذلك"، فالبرغوثي تَعلمّ ويَعلمّ أنه صاحب حق وشعب فلسطين هم أصحاب حقوق، والقتلة هم من قتلوا أكثر من 61 ألف فلسطيني منذ 7 أكتوبر 2023، بخلاف مئات الآلاف من الجرحى، والمشردين، ومن هم تحت الأنقاض، ومئات الآلاف شهداء على مدى سنوات النضال.
قد لا يعلم البرغوثي - المسجون في السجون الإسرائيلية منذ العام 2002، أي قبل ما يزيد عن 23 عاما - ما جرى في غزة على مدى نحو العامين، ولكن المؤكد أنه يعلم تاريخ الكيان المحتل على مدى سنوات طويلة، وجرائمه في كل مكان، ولهذا لم يهتز من تهديدات "ابن غفير"، والتي جاءت ضمن سياسة الانتهاكات الإسرائيلية، لكافة القوانين والمواثيق الدولية الخاصة بحماية الأسرى.
سياسة الغباء التي دائماً يرتكبها الكيان المحتل، وكل أعضاء حكومة "بنيامين نتنياهو"، دائماً ما تأتي نتائجها بعكس أهدافها، فقد قوبل اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير لزنزانة البرغوثي، باستهجان على كل المستويات، بغض النظر عن محاولة تبرير اقتحام الزنزانة أنها جاءت محض صدفة خلال زيارة الوزير المتطرف لسجن "جانوت"، الإسرائيلي.
هناك فرق كبير بين مروان البرغوثي المناضل الفلسطيني من أجل حرية بلاده، ووطن مستقل يجمع كل الفلسطينيين، وبين إيتمار بن غفير الصهيوني المتطرف وفي حكومة محتلة، وشعارها القتل والإبادة، من أجل أطماع لا نهاية لها.
والكل يتذكر تلك الجلسة التي عقدتها المحكمة المركزية الإسرائيلية في 6 يونيو 2004، (لاحظ التاريخ) لمحاكمة مروان البرغوثي، لتصدر حكمها الشهير عليه بالسجن خمسة أحكام مؤبدات وأربعون عاما وهي أقصى عقوبة طالب بها الادعاء العام الإسرائيلي، وذلك على ادعت إسرائيل أنها جرائم مسؤول عنها، بحُكم موقعه القيادي في حركة فتح، ومنظمات فلسطينية أخرى.
ويومها قال البرغوثي في تلك الجلسة، في كلمة للقضاة "إنكم في إصداركم هذا الحكم غير القانوني ترتكبون جريمة حرب تماما مثل طياري الجيش الإسرائيلي الذين يلقون القنابل على المواطنين الفلسطينيين تماشيا مع قرارات الاحتلال" ثم قال كلمته الأشهر "إذا كان ثمن حرية شعبي فقدان حريتي، فأنا مستعد لدفع هذا الثمن".
ومن الملاحظات المهمة أن ايتمار بن غفير، اقتحم زنزانة البرغوثي، وسط حراسة مشددة، وقوة قمع خاصة، بينما السجين الفلسطيني يقف في المواجهة وهو أعزل، وهو ما يعكس حجم رعب هذا المتطرف حتى من مسجون، ولهذا استخدم سلاح الترهيب في دليل على الخوف حتى من مجرد رجل أعزل تجاوز عمره الـ66 عاما، منها سنوات طوال في السجن، وأخرها ما يقارب الربع قرن، حتى الآن.
ربما ما يقلق ابن غفير، هي تلك الشعبية الكبيرة لمروان البرغوثي بين الفلسطينيين، وهو يعكس ما تردد سابقاً عن إمكانية الإفراج عنه، ضمن صفقات الأسرى المحتملة، مع شرط إسرائيلي، بإبعاده خارج الأراضي الفلسطينية، فهو صاحب شعبية كبيرة، بخلاف أنه من بين المرشحين لقيادة السلطة الفلسطينية.
وقبل فترة أفادت استطلاعات رأي أن مروان البرغوثي، هو صاحب أكبر قاعدة جماهيرية بين الفلسطينيين، وداخل حركة فتح، وهو بذلك "الأكثر شعبية بين الفلسطينيين"، بل هناك اجماع على أن البرغوثي هو "نيلسون مانديلا فلسطين"، وفقا لوصف صكه كاتب بريطاني قبل نحو عشر سنوات في مقال بصحيفة الجارديان البريطانية.
واقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، لزنزانة مروان البرغوثي، أعاده للواجهة، وأعاد ما قيل عنه سابقاً أنه قد يكون الزعيم الفلسطيني القادر على قيادة فلسطين، في مرحلة ما بعد عزة، إن كان الكيان الصهيوني جاداً في مرحلة سلام، والإفراج عن البرغوثي.
وتبقى التخوفات على حياة مروان البرغوثي قائمة في أعقاب اقتحام زنزانته، وفي ظل حالة التجويع والإنهاك التي يتعرض لها مع سياسة عزل قاسية مفروضة عليه، بل وصل التخوف من ارتكاب المتطرف ابن غفير جريمة بإعدامه داخل الزنزانة، وهذا ليس مستغرباً من إرهابي يعلن صراحة تأييده للإبادة لكل ما هو فلسطيني، الأمر الذي يتطلب حماية دولية.
----------------------------------
بقلم: محمود الحضري